الطائفية في العراق وميول السلطات والقضاء

الطائفية في العراق تُعدّ إحدى أكبر التحديات التي تواجه استقرار البلد ووحدته. بدأ تأثير الطائفية يظهر بشكل واضح بعد سقوط النظام السابق في 2003، حيث أدى الفراغ السياسي والضعف المؤسسي إلى تفاقم الخلافات العرقية والطائفية. أصبح العديد من الأحزاب والقوى السياسية في البلاد تعتمد على الهوية الطائفية لتعزيز نفوذها، مما أدى إلى انقسام المجتمع على أسس مذهبية.

جذور الطائفية وتفاقمها

العراق بلد متعدد الأعراق والطوائف، حيث يتواجد المسلمون السنة والشيعة إلى جانب المسيحيين والأيزيديين والصابئة الكلدانيين، والعديد من المكونات الأخرى. ومع سقوط نظام البعث، برزت العديد من الأحزاب على أساس طائفي، وكل طرف بدأ يسعى للحصول على أكبر قدر من السلطة والنفوذ، مما أدى إلى تصاعد الصراعات الطائفية.

تفاقمت المشكلة بظهور الجماعات المسلحة، مثل تنظيم القاعدة ولاحقًا تنظيم “داعش”، الذين استغلوا التوتر الطائفي لتغذية العنف والفوضى، مما زاد من عدم الاستقرار وأدى إلى عمليات تهجير قسرية وقتل على أساس الهوية.

تعامل الدولة العراقية بانتقائية

تعامل الدولة العراقية مع القضايا الطائفية شابته الكثير من الانتقائية، حيث غالبًا ما يُنظر إلى الدولة على أنها تميل إلى حماية طائفة معينة، وهي عادة الطائفة المهيمنة في السلطة. منذ عام 2003، تم بناء النظام السياسي في العراق على أسس محاصصة طائفية، مما أدى إلى شعور بعض المكونات بالإقصاء أو التمييز، سواء في فرص التوظيف، أو الحصول على الخدمات العامة، أو العدالة القضائية.

الميل إلى طائفة السلطة

هناك اتهامات للدولة العراقية بتفضيل الطائفة الشيعية التي تسيطر على مؤسسات الدولة الرئيسية، على حساب الطائفة السنية وغيرها من الطوائف الأخرى. هذا الميل يظهر في توزيع المناصب الرئيسية في الحكومة، وكذلك في الهيئات الأمنية والعسكرية، حيث تتم غالبًا تعبئة المناصب بمرشحين بناءً على انتماءاتهم الطائفية بدلاً من الكفاءة المهنية. نتيجةً لذلك، تشعر بعض الطوائف والمناطق بأنها غير ممثلة بشكل عادل أو مضطهدة.

عدم محاسبة المسيئين

من أبرز المشكلات المرتبطة بالطائفية في العراق هو غياب المحاسبة. يتم التغاضي عن الانتهاكات التي يرتكبها مسؤولون أو جماعات مسلحة تابعة لطائفة السلطة. مثلًا، تكررت حالات الفساد أو التجاوز على حقوق الإنسان دون اتخاذ إجراءات فعالة ضد مرتكبيها، مما زاد من مشاعر الظلم والتهميش لدى المواطنين، خصوصًا أولئك الذين لا ينتمون للطائفة المهيمنة.

كما أن ضعف القضاء واستغلاله سياسيًا يجعل من الصعب مساءلة المسيئين من ذوي النفوذ، ما يعزز من مناخ الإفلات من العقاب ويعمق الانقسام الطائفي، حيث يشعر المواطنون أن النظام لا يعامل الجميع على قدم المساواة.

الخلاصة

الطائفية في العراق هي مشكلة معقدة ومتعددة الأبعاد، تتداخل فيها العوامل السياسية والاجتماعية والأمنية. تعامل الدولة العراقية بانتقائية وميلها إلى طائفة السلطة يزيد من تعقيد الوضع ويجعل من الصعب تحقيق استقرار دائم. إن إعادة بناء الثقة بين مكونات المجتمع تتطلب نظامًا سياسيًا عادلاً، وسيادة قانون تطبق على الجميع بدون استثناء، بالإضافة إلى تبني سياسات تنموية تشمل كافة المناطق والطوائف.

اترك رد